يُشكل فن الشارع (الغرافيتي) تحدياً من الفنان للشكل التقليدي للفنون ومحاولة لتغيير مفاهيم الفن التقليدية. رسوم وخطوط مليئة بألوان مفعمة بالحياة، يسعى من خلالها فنان الغرافيتي إلى التواصل بفنه مع الناس في حياتهم اليومية واستخدام الشارع والجدران كمنصة للتعبير عن القضايا المختلفة.
يضخ فن الشارع تعبيرات فنية تعكس هواجس وتفاصيل حياتية ومواقف فكرية وعاطفية واجتماعية. وعلى الرغم من أن كثيراً من شوارع المدن العربية تشكل معرضاً مفتوحاً لفنون الشارع، وبالأخص فن الغرافيتي، فإن أصحاب تلك اللوحات الجميلة مجهولون لدى أغلب الناس. على أن الشهرة طاردت بعضاً من هؤلاء الشباب على المستويين المحلي والعالمي، رغم أنهم لم يسعوا إليها في واقع الأمر.
يبرز اسم السِيْد مؤسساً لما يُعرف بفن الكاليغرافيتي، وهو خليط من الخط العربي وفن الغرافيتي. هو تونسي الأصل فرنسي الجنسية، وسجل كثيراً من اللوحات الفنية التاريخية على جدران مدن عربية وغير عربية، كان آخرها رسماً عملاقاً على أكثر من خمسين بناية في منطقة قديمة بالقاهرة، وحولها يقول: “لوحتي من جملة واحدة أعجبتني.. إن أراد أحد أن يبصر نور الشمس فإن عليه أن يمسح عينيه”.
وإلى السعودية، حيث ذاع صيت “ضياء رامبو”، فتى مدينة جدة، الذي عمل في شوارع مدينته، وحملت جدرانها شخصيات كرتونية من ابتكاره تتناول موضوعات شتى، وعندما لاحظ الإمكانات المحدودة والمعدات القليلة لهذا النوع من الفن، افتتح مع أصدقائه متجراً خاصاً بفناني الغرافيتي، أسماه متجر “الضاد”.
وهناك، في الأراضي المحتلة، يكرس سامي الديك لوحات الشوارع في خدمة القضية الفلسطينية. وبدأ الناس يعرفونه من خلال انهماكه في الرسم على الحيطان العريضة. ولاحقاً، رسم الديك جدارية سلام ضخمة في إحدى مدارس باريس، ليكون الفنان الفلسطيني الأول الذي يرسم من وحي قضية بلاده في العاصمة الفرنسية.
أما فنانة الغرافيتي الأردنية الشابة ليلى عجاوي فقد عمدت إلى تغيير الصورة النمطية للمرأة من خلال فنها، إذ تعبر أعمالها في شوارع عمّان عن مطالبات بتمكين المرأة في المجتمع. وتبرز رسوماتها المرأة جميلة وقوية في الوقت نفسه. يستمد العمل الذي تقوم به ليلى أهميته من كونها المرأة الوحيدة من مدينة إربد في شمال الأردن، التي تقدم هذا النوع من فنون الشوارع، على الرغم من أن فن الشارع والغرافيتي بات منتشراً كثيراً في العاصمة عمّان. ولا يمكن أن يغيب لبنان عن هذا المشهد الفني، فمن هناك أحدث التوأمان عمر ومحمد قباني حالة من الصخب الفني المتنوع في شوارع العاصمة بيروت، وسرعان ما أصبح توقيعهما (أشكمان) طابعاً معروفاً على جدران المدينة. كما أنهما ألهما الكثير من فناني الغرافيتي اللبنانيين، وهكذا بدأت مشاريع جديدة لتلوين شوارع لبنان.
ويبقى يزن حلواني، الشاب اللبناني، الاسم الأبرز على الإطلاق في العالم العربي، بأسلوب جديد ومتفرد في فن الشارع، يجمع بين الكاليجرافي والتصوير الدقيق لشخصيات أو أحداث معينة، معبراً عن فكرة أو قضية ما. ونجح يزن في إثراء جدران شوارع بيروت الفرعية بمحتوى ثقافي تعبيري لافت وجذاب بصرياً.
بعد ذلك امتدت أعمال يزن إلى خارج الإطار المحلي؛ إذ تنتشر أعماله اليوم في العديد من الدول منها دولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك في كل من فرنسا وألمانيا. وحول أعماله يقول يزن: “أعتقد أنني بالأساس أزين جدران مدينتي، وبذلك أشبع رغبة فنية لدي وأتواصل مع الناس، خصوصاً الشباب”. ومن أشهر لوحات يزن لوحة المطربة الكبيرة الراحلة صباح في شارع الحمرا في بيروت، وكذلك لوحة الطفل السوري فارس؛ بائع الورد في شارع الحمرا، والتي أبدعها على أحد جدران مدينة برلين، وهناك أيضاً لوحة للشاعر الفلسطيني محمود درويش اختار أن يقدمها على جدارية في مدينة جربة التونسية.