
الطعام المميز أم أحدث خطوط الموضة أم ربما الشاطئ؟ أي من هذه الأمور قد تجذبك إلى برشلونة، هذه المدينة التي تعد بوتقة ينصهر فيها العديد من الثقافات. ولنتعرف على المدينة عن كثب، نصطحب في جولتنا اثنين من المشاهير في عالم الطعام والتصميم، والأهم أنهما من سكان برشلونة.
نحن الآن نتطلع إلى البحر بعدما كنا في السابق نشيح بوجوهنا بعيداً عنه، هذا ما قالته لي كارمي راسكاليدا بينما كنا نتجه سوياً تجاه تمثال ضخم للمستكشف التاريخي كريستوفر كولمبوس وكأنه يتطلع إلى المحيط. هذا التمثال يقع في نهاية شارع لا رامبلا الشهير في قلب برشلونة.

وتشير كارمي، وهي المرأة الوحيدة في العالم الحائزة على سبع جوائز ميشلان للتميّز في عالم إدارة المطاعم، “اعتدنا في السابق أن نشير إلى برشلونة على أنها مدينة قاطنة قرب الشاطئ. أما الآن فنحن نعانق البحر”.
برشلونة التي تحظى بخطوط معمارية مميزة تشير إلى أصالة وثقافة فريدة وكذلك مع المذاق المميز لمأكولاتها الشهيرة تعطيك الإحساس بأنها مدينة حضرية بامتياز، ولكن إذا تطلعت إلى البحر فيمكن أن تراها أيضاً مدينة ساحلية مكتملة العناصر. ولا يفصلك بين هذين العالمين سوى عشر دقائق فقط وهي المدة الزمنية التي تحتاجها للانتقال من قلب المدينة إلى شواطئها.

على الشاطئ يوجد “ليتل بيتش هاوس برشلونة” وهو فندق صغير يتكون من 17 غرفة موزعة على طابقين، كان في السابق منزلاً شُيد في الخمسينات من القرن الماضي. هذا الفندق لا يحظى فقط بكل عناصر الفنادق من فئة الخمس نجوم فموقعه المميز يجعله محط أنظار الراغبين في قضاء وقت مميز على الشاطئ بعيداً عن ضوضاء المدينة.
ودّعنا الشاطئ وتوجهت مع كارمي إلى فندق “ماندارين أورينتال” الذي لم يأفل نجمه في أي وقت منذ افتتاحه عام 2009. تُدير كارمي نجمة المطاعم في برشلونة، عاصمة إقليم كاتالونيا، مطعمين في فندق “ماندارين أورينتال” يحظيان بشهرة واسعة وهما “بلانك” و”مومينتس”.
قائمة الطعام في “مومينتس” تضم 13 طبقاً رئيسياً تحمل أسماءً مميزة وكأنها مقطوعات موسيقية تقدمها دار أوبرا عالمية، كما يحرص الطهاة أيضاً أن يكون تصميم كل طبق رقيقاً وجميلاً مع تناسق ألوان يضاهي جمال اللوحات الفنية ليتناسب مع الاسم المميز الذي يحمله.

شعرت مباشرة بشهرة كارمي بين سكان برشلونة فور دخولنا سوق “ماركات دي لا بوكويرا” حيث تجمع حولها عدد من المتسوقين لتحيتها والتقاط صور معها، كما كانت تحظى بابتسامات ترحيب من جميع الباعة في السوق. “هذا المكان تغير كثيراً عما سبق ولكنه مازال محتفظاً بأصالته” هكذا وصفت كارمي المنطقة المحيطة بالسوق.
سوق “ماركات دي لا بوكويرا” الذي يعمل منذ القرن الثالث عشر لا يعج فقط بالمتسوقين من السكان المحليين ولكنه أيضاً يعد مزاراً سياحياً لزوار المدينة، فهذا النوع من الأسواق التي تعرفه المدن الإسبانية جيداً غير معتاد في باقي أنحاء العالم. اللحوم الطازجة معلقة وسط السوق بجوار الخضروات والفواكه الطازجة بالإضافة إلى مخبز يبيع المخبوزات الساخنة بجوار متجر لبيع التوابل وزيت الزيتون الإسباني الشهير.
بعد صخب السوق توجهنا إلى “كازا بيتهوفن”، مدرسة الموسيقى التاريخية في وسط المدينة، هذه المدرسة التي ساعدت أجيالاً عديدة على إتقان العزف على الآلات الموسيقية التقليدية والحديثة، نجت من حربين عالميتين وحرب أهلية. عندما دخلنا إلى القاعة الرئيسية كان هناك مدير المدرسة يعزف على البيانو مقطوعة موسيقية لأغنية كتالونية شهيرة تحكي عن امرأة وهبت نفسها للبحر.
عدنا مرة أخرى إلى لا رامبلا حيث تذكرت كارمي عندما كانت تأتي الساعة ٣ صباحاً لانتظار شراء جريدة أو مجلة تنشر عنها خبراً. “كنت أنتظر في الظلام الدامس بمفردي في انتظار كشك الصحف الوحيد في الشارع أن يفتح أبوابه لاستقبال المطبوعات ورصها استعداداً ليوم جديد، الآن الشارع يضج بالمتجولين حتى الساعات الأولى من الصباح بينما العديد من الأكشاك تبيع الهدايا التذكارية للسياح بالإضافة الى المطبوعات”.
ودعت كارمي وتوجهت مسرعاً لألحق بنجم آخر في عالم التصميم وهو الإسباني المولود في شيلي جيمي بيريستين حيث سأحظى بمرافقته في باقي جولتي ببرشلونة.

إبداع جيمي في التصميم وصل مؤخراً إلى عصره الذهبي بسبب لمساته الساحرة في تصميم الفندقين الفاخرين في المدينة وهما “ذا وان” و”ألماناك”. استقبلني النجم الملقب بملك برشلونة في التصميم في منزله الذي يحمل جميع ما تتخيله من فخامة وإبداع.
“منذ أن كنت صغيراً كنت أحلم أن أفعل شيئاً فريداً لم يسبقني فيه أحد من قبل، وأعتقد أن ما أقدمه الآن يحظى بتقدير عالمي، فالتصاميم دافئة ومشرقة وتتخطى حواجز الزمن”. هذا ما قاله جيمي عن نفسه في بداية اللقاء.
ورأي جيمي في نفسه هو تقريباً رأي كل المهتمين بعالم التصاميم، فـ “ذا وان” و”ألماناك” حديث الجميع سواء السكان المحليين أو الزائرين من نزلاء الفندقين. فكلاهما يحظيان بمطعم على السطح يكاد لا يخلو من الزبائن منذ الصباح وحتى المساء. خلال حديثنا، أثنى جيمي كثيراً على عدد من المباني التاريخية في المدينة والتي تحظى بخطوط معمارية فريدة تجعل من برشلونة تبدو وكأنها متحف مفتوح. ولكن بالنسبة لجيمي فيعتبر مبنى “بالاو دي لا ميوزيكا” الذي بني في بداية القرن العشرين هو المبني الأجمل بألوانه المميزة التي تشعرك بالبهجة وتميّز تصميم كل ركن فيه.

عندما تبدأ الشمس في الغروب تلقي بخيوطها الذهبية على شوارع برشلونة فيصبح التجول في هذا التوقيت من كل يوم فريداً. “برشلونة تصحو عندما يحل المساء” هكذا علّق جيمي ونحن نتجول وسط شوارع المدينة الجميلة حيث ينشغل عمال المقاهي والمطاعم بتجهيز الطاولات المطلة على الطرق لاستقبال الزبائن.
وصلنا إلى مكان مميز للغاية وهو المقهى الذي يملكه المصمم الشهير، ويحمل اسمه. وضع جيمي في المقهى كل الحيل التي تشعرك بأنه مكان مميز، فهناك مساحات كبيرة مخصصة للزهور، الموسيقى تنساب بنعومة من كل ركن وألوان المقاعد والطاولات مبهجة.
“أسعى دائماً أن تشعر وأنت جالس هنا أنك في منزل صديق، يمكنك أن تقضي ساعات وساعات دون ملل”، هذا بالفعل ما شعرت به وأنا في المقهى فالإحساس هنا شابه إلى حد كبير الإحساس الذي انتابني وأنا في منزل جيمي.
ودعت جيمي سعيداً بهذه المعلومات القيمة عن مدينة أوروبية عريقة تمس قلب وعقل زوارها.