
تُعد مدينة أبوظبي ممراً رئيسياً لصحراء الربع الخالي، أكبر صحراء رملية من حيث المساحة على وجه الأرض، وأقلها استكشافاً. كما تُعد عاصمة الإمارات العربية المتحدة أيضاً، جسراً بين التاريخ في الجزيرة العربية والحداثة في دولة الإمارات.
بدأنا مغامرة يكتنفها الغموض ولا تخلو في الوقت ذاته من الشعور بالحماس الشديد في سيارة رباعية الدفع من فوق قمة رملية شديدة الانحدار وسط بقعة صحراوية مترامية الأطراف على بعد حوالي 200 كيلومتر من وسط مدينة أبوظبي. وكالعادة، وعند خوض مغامرة شبيهة، أبدأ الرحلة بوضع ثقتي كاملة في الله وفي السائق الذي يأخذ على عاتقه الوصول بنا إلى بر الأمان.
انطلق السائق سالم بالسيارة وسط الرمال ببراعة فائقة وكأنه في سباق سرعة على ممرات محددة، واضحة المعالم. بالنسبة لي، كل ما حولي متشابه، اللون الذهبي نفسه الممتد إلى ما لانهاية، والذي تنعكس على سطحه أشعة الشمس الساطعة. ومن بعيد، بالكاد ألحظ القليل من التلال الرملية التي تتهادى بانسيابية فائقة وكأنها في لوحة فنية رائعة.
بين وقت وآخر تظهر تشكيلات متناثرة هنا وهناك، لم تكن واضحة بالنسبة لي حتى اقتربنا من إحداها لاكتشف أنها عظام حيوانات نافقة تحولت إلى اللون الأبيض بسبب العوامل الجوية ووهج حرارة شمس الصحراء.

حتى أوائل سبعينات القرن العشرين، لم تكن أبوظبي لديها طرق معبدة، ولم تكن هناك أبنية شاهقة. لقد تغيرت أبوظبي مع عجلات الزمن بدرجة مذهلة. اليوم تُضيء في أفق مدينة أبوظبي أضواء ناطحات السحاب، ومصابيح أحد أجمل الجوامع في الشرق الأوسط، جامع الشيخ زايد الكبير. إنها مدينة مليئة بالصروح المعمارية العالمية مثل متحف اللوفر أبوظبي، وعدد من الفنادق الفاخرة. كما تشهد هذه المدينة الساحرة أحداثاً رياضية وفنية ذات شهرة عالمية مثل فورمولا 1 أبوظبي، الذي يختتم موسم سباقات الجائزة الكبرى كل عام، بالإضافة إلى عدد من منافسات التنس والغولف العالمية.
ويحمل عام 2018 اسم عام زايد وذلك احتفالاً بالذكرى المائة لميلاد المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الأب المؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة.

وأتذكر هنا ويلفريد ثيسجر المُلقب بمبارك بن لندن، الرحالة البريطاني الراحل مؤلف كتاب «الرمال العربية» والذي يحكي فيه عن مغامراته وسط رمال صحراء الربع الخالي، فقد كان الأول من بين الأوروبيين الذين قطعوا تلك الصحراء الشاسعة في شبه الجزيرة العربية بين عامي 1946 و1950.
أكد ثيسجر في كتابه الذي نُشر عام 1959، أنه وقع في غرام الصحراء العربية برغم قسوتها الشديدة. كما أعرب عن دهشته من سرعة التطور الذي شهدته المنطقة: «هنا .. التغييرات التي حدثت في غضون عقد أو عقدين كانت كبيرة كتلك التي حدثت في بريطانيا بين أوائل العصور الوسطى واليوم الحاضر».

بالتأكيد، مغامرة سبر أغوار صحراء الربع الخالي لن تكون بالقسوة نفسها التي لاقاها ويلفريد ثيسجر. فاليوم يمكنك الاستمتاع بالرفاهية وسط الصحراء القاسية، هذا ما يَعِدك به منتجع قصر السراب الذي أراه نقطة التقاء ماضي أبوظبي وحاضرها.
المنتجع عبارة عن قرية محصّنة تبدو كقصر شامخ على قمة الكثبان الرملية المنحدرة على حافة صحراء الربع الخالي. والمنتجع يغلب عليه اللون الأخضر بفضل أكثر من 2500 شجرة وربع مليون شجيرة تنتشر في أركانه. وهناك 4 كيلومترات من الطرق الممهدة تربط بين الفيلات الـ 52 المحاطة بأسوار لمنح المزيد من الخصوصية للنزلاء، وهناك أيضاً 154 غرفة فخمة، ومطاعم تقدم المأكولات الشرقية والغربية، بالإضافة إلى مكتبة. ويوجد داخل أسوار قصر السراب عدد من النوافير والقنوات المائية والمسابح الخاصة المتوافرة داخل بعض الفيلات وكذلك حمام السباحة الرئيسي الضخم.

ويوفر قصر السراب لزواره من مشاهير هوليوود وبوليوود ونجوم الرياضة العالميين وكذلك رؤساء الدول، رفاهية التنقل بواسطة طائرة هليكوبتر.
ويظل الصيد بالصقور جسراً متيناً بين تاريخ الجزيرة العربية وحاضر دولة الإمارات العربية المتحدة الحديث، فبعد ظهر أحد الأيام، توجهنا إلى وادٍ يقع بين الكثبان الرملية لنجد في انتظارنا أربعة صقور مغطاة الأعين. بادرنا الصقّار بالقول: «يجب أن يكونوا جائعين للصيد».
أطلق أحد مساعدي الصقّار طيراً إلى السماء قبل أن يزيح البراقع عن أعين الصقور لتنطلق بسرعة مذهلة وتنقض على فرائسها. وبعد تكرار التجربة ست أو سبع مرات عادت الصقور التي سدت جوعها بالصيد الثمين وهي تلهث بشدة.

ودّعنا الصقور وانطلقنا لرؤية كلاب الصيد العربية الشهيرة من سلالة السلوقي. فالمنتجع يحتفظ بما يقرب من 12 كلباً في بيت مكيف الهواء. وقدمت لنا هذه السلالة من الكلاب البارعة في صيد الغزلان والأرانب، عرضاً شيقاً بمطاردة كرة إلكترونية تنطلق بسرعة فائقة وتغير اتجاهاتها عن طريق التحكم عن بُعد، وذلك لتُظهر مدى سرعتها ورشاقتها في مطاردة الفرائس.
ويمكنك ممارسة رياضة ركوب الخيول أو الجمال خارج أسوار قصر السراب لتستمتع بالمناظر الخلابة لشروق الشمس أو القيام برحلات وسط الكثبان الرملية الملحمية وقت الغروب.

سألت عمرو، مدير الأنشطة في المنتجع، ما إذا كانت هناك رحلات لفترات طويلة للباحثين عن مغامرة مميزة وسط الصحراء؟
فقال: «بالتأكيد، فيمكننا ترتيب رحلات لمدة يومين أو ثلاثة أيام أو ربما أطول من ذلك. النوم يكون في خيام على النمط البدوي وننظم تقديم الطعام الفاخر والشراب، والسيارات، وكل شيء من أجل ضمان توفير كافة وسائل الراحة لضيوفنا».
برغم كل هذه الرفاهية ووسائل الراحة التي يوفرها قصر السراب وسط الصحراء، سيظل الربع الخالي مليئاً بالأسرار والحكايات التي لم تُروَ بعد.