المقاتلة الخضراء
تتبنى الطاهية بيغي تشان، شعار “من أجل طعام صحي”، ومن خلاله أمكنها أن تضع اسمها بين الكبار في عالم المطاعم الجديد في هونغ كونغ. فهناك في غراسروتس بانتري، مطعمها الواقع في شارع هوليود، أحد أشهر شوارع المدينة، تحتفي تشان بأطباق النباتيين من خلال وصفاتها الخضراء المبتكرة. ومن أشهى تلك الأطباق، طبق القرنبيط المحمص مع صلصة الهريسة المغربية، وطبق بولونيز التوفو بطحين القمح الأسمر، وكذلك كعكة اللوز مع التين.
تشان من مواليد هونغ كونغ، ولكنها نشأت في مونتريال، وتعلمت فنون الطهي في مدرسة كوردون بلو في أتاوا، قبل أن تقرر احتراف المهنة في عدد من مطاعم هونغ كونغ المعروفة. وفي العام 2011، اختارت أن تؤسس مطعمها الخاص، ولم يمض وقت طويل قبل أن تنتقل بالمطعم إلى مكانه الحالي، والذي تميز مطبخه لمسات الديكور الاسكندنافية.
وأطلقت منذ ذلك الحين العديد من المبادرات، ومن أشهرها “المائدة الجماعية”، ومن خلالها تدعو كبار الطهاة لمشاركتها في إبداع مجموعة من الأطباق النباتية الجديدة. ومن الطبيعي أن تكون من أشد أنصار التغذية القائمة على النباتات فقط: “لا ينبغي أن يكون الطعام طيب المذاق مضراً لك ولكل ما هو حولك. هدفنا أن يتعلم المجتمع تشجيع عادات الطعام المفيد، ومكونات الأطباق الخضراء التي تأتيك من المزارع مباشرة، مع عدم التهاون في الوقت ذاته عن الاستمتاع بوجبة لذيذة”.
أسطورة محلية
على غرار العديد من الطهاة الصينيين، بدأ تشان يان تاك، المولود في هونغ كونغ، العمل في المطابخ منذ سن صغيرة للغاية، فلم يكن قد تجاوز الثالثة عشرة من عمره عندها. ولكن إخلاصه وتكريسه لسنوات عمره في تعلم أسرار المهنة عاد عليه بالنفع عندما اتتفح مطعمه العصري لونغ كينغ هيين، داخل فندق فور سيزونز هونغ كونغ، الذي حاز ثلاث من نجمات ميشلان في العام 2009، لتكون هذه هي أول مرة ينال فيها مطعم يديره شيف صيني ذلك الشرف. ولا يزال الشيف تاك يعمل في مطبخه، ويرفض أن ينسب أي فضل في ذلك الإنجاز الكبير إلى نفسه: “تلك النجمات ملك لكل فرد في فريق العمل. من دون القيادة المتمكنة، وعمل الفريق، والتواصل بين الجميع، يكون من المحال أن تمتلك مطبخاً قوياً بمعنى الكلمة”.
أما القاسم المشترك بين جميع المطابخ التي تتبنى أسلوب الطهي الكانتوني فهو المكونات الطازجة. ويعني ذلك، على سبيل المثال، الاحتفاظ بالأسماك حية في أحواض داخل المطبخ. وحتى مع الأطباق الأبسط، مثل الروبيان، لا يكون هناك أي تهاون فيما يتعلق بجودة المكونات. ويعمل فريق المطبخ المكون من 25 فرداً لساعات طويلة من أجل صنع العناصر العديدة التي تدخل في طهي الأطباق التي منحت المطعم جوائزه العالمية. ويشرف الشيف تاك على كل شيء بحنان أبوي، ينم عن قوة شغف وحب لمهنته لم تخبو جذوته حتى بعد مرور خمسة عقود على البداية الأولى.
صانع الموضة
يرتدي كيفين بون العديد من القبعات. كما يمتلك صاحب المطعم الإسباني لا رامبلا في هونغ كونغ عدداً من ماركات التصميم الرائدة، علاوة على متاجر ومقاهٍ. وسبق له أن استضاف مغني الهيب هوب كانييه ويست في المدينة لأول مرة. بالإضافة إلى أنه يفتخر بامتلاكه أكبر مجموعة من الأحذية الرياضية في هونغ كونغ. أحسن كيفين استغلال ذوقه الرفيع في مجال التصميم عندما أسس لا رامبلا بإطلالاته الخلابة على ميناء فيكتوريا الجميل. واستضاف بون الفنان الإسباني خافيير كاليخا ليزين جدران المكان بمجموعة من لوحاته خفيفة الظل.
ولكن ما يقدمه المطعم هو المهم، وهنا كان الشيف الإسباني فيران تاديو، الذي سبق له العمل في مطعم إل بولي الشهير في برشلونة، عند حسن الظن تماماً بأطباقه الكتالونية المعدة من أفضل وأجود المكونات الإسبانية. ومنها روبيان كارابينيرو الأحمر، واللحم البقري الغاليسي من برشلونة مباشرة. يقول بون عن الفكرة التي يقوم عليها لا رامبلا: “هدفي تقديم المطبخ الكتالوني التقليدي بطريقة مبتكرة. أردت مكاناً مريحاً لا ينقصه التنوع والحيوية، وبحيث يكون مناسباً لعقد اجتماعات العمل وللقاء الأصدقاء وإقامة الحفلات”.
فريق الأحلام
من الصعب أن نتخيل وجود ثنائي أكثر تفاهماً من مات بيرغل وليندساي جانغ، ذلك الثنائي صاحب الفضل في نجاح أحد أشهر مطاعم المدينة؛ ياردبيرد، المتخصص في طهي الدجاج على طريقة الياكيتوري المعروفة. وعلى الرغم من أنه على ضيف المكان أن ينتظر دوره لفترة ليست بالقصيرة، إلا أنها فرصة جيدة للاستمتاع بعصير منعش قبل الوجبة الرئيسية، لكن من المتوقع أن يصبح زمن الانتظار أقصر نسبياً، مع انتقال المطعم من حي سوهو إلى مساحة أكبر بكثير في شونغ وان.
لا تزال قائمة الأطباق تحتفظ بالأنواع الكلاسيكية من أطباق الدجاج المعد على الفحم، ومنها طبق ميسو سواء لصدور الدجاج أو أجنحتها أو أفخاذها، بينما تجتذب الأطباق المعدة من أجزاء الدجاجة الأخرى من يبحث عن تجربة كل جديد. تقول جانغ: “نحن لم نخترع الدجاج أو الفحم، ولم نقدم ما لم يسبق لغيرنا تقديمه، ولكن السبب في هذا النجاح هو خبراتنا وحبنا لأطباق الياكيتوري”. ولا تكتمل زيارة ياردبيرد دون تجربة أطباق الخضراوات المتنوعة من ابتكار الثنائي، ومنها طبق القرنبيط المحمر على الطريقة الكورية، بإضافات صلصة يوزو الحارة والليمون، أو طبق ملفوف بروكسل اللذيذ بالثوم الأسود.
لا يتوقف الثنائي – وكانا في السابق زوجين- عن تنفيذ خطط التوسع الطموحة، فقاما بافتتاح مطعم رونين الذي يقدم أطباقه على طريقة إزاكايا. ولكن يبقى مطعم ياردبيرد هو الأساس، والوجهة التي تجتذب كل زائر للمدينة بكل تأكيد.
سيد السوشي
لم يحز أي مطعم سوشي، خارج نطاق اليابان، على نجمات ميشلان الثلاث سوى مطعمين. وفي هونغ كونغ، تحتضن بناية متواضعة في شارع مغمور أحد هذين المطعمين؛ سوشي شيكون. اكتسب كبير الطهاة يوشيهارو كاكينوما شهرة بين جمهور المطعم الذي لا يجد غضاضة في ارتفاع أثمان أطباق الأرز والسمك، لكونها الأجود والأرقى على مستوى العالم، حتى استحق لقب سيد السوشي. الشيف الوافد من طوكيو طويل القامة عريض المنكبين، الذي كان في السابق لاعب رجبي في فريق الجامعة ورسم لنفسه أحلاماً في عالم احتراف تلك الرياضة، لكن سحر المطبخ أغواه. وهو لم يكن بالمطبخ العادي؛ بل مطبخ سوشي يوشيتاكي، المطعم الأسطوري في طوكيو.
انتقل كاكينوما للعيش في الولايات المتحدة لعقد من الزمن، أضحى خلاله متمكناً من الإنجليزية، قبل أن يعود إلى هونغ كونغ ويفتتح مطعم سوشي شيكون الذي يحوز نجمات ميشلان الثلاث منذ 2014. تعني “شيكو” التحدي والشغف، ولكنه يؤكد على أن النجاح لا يتوقف على فريق العمل فحسب “لكنه يشمل الصيادين، وفريق الخدمة، والعاملين، وكل من يدعم ويشجع ثقافتنا. ويتمثل التحدي في أننا وافدون من جزيرة صغيرة، ونرغب في التعريف بما نمتلكه من كنوز لكل من هو خارج البلاد”. يُعرف عن فريقه الاعتناء البالغ بالتفاصيل؛ حتى أن الأرز لا يطهى إلا في مياه واردة من اليابان. ولكن تلك المعايير الصارمة لم تحرم يوشيهارو من طباعه التي تتسم بخفة الروح وقدرته على التواصل بكل ود مع ضيوف المطعم؛ أولئك الذين أسعدهم الحظ بالجلوس إلى مائدة من بين ست موائد فقط متاحة خلال فترات الغداء والعشاء.